دور المستشرقين في تطوير اللغة العربية وآدابها
قام المستشرقون بتطوير اللغة العربية وآدابها من نواح مختلفة:
-
التدريس الجامعي أو المدرسي
يكاد يكون هناك في كل جامعة أوروبية أو أمريكية معهد خاص للدراسات العربية
والإسلامية بل يوجد في بعض الجامعات أكثر من معهد للاستشراق مثل "جامعة
ميونيخ" حيث يوجد بها معهد للغات السامية والدراسات الإسلامية. وكل معهد يشمل
مكتبة تزخر بالكتب النافعة من المصادر والمراجع العربية والإسلامية النافعة في
الدراسات والبحوث العلمية.
أدخل المستشرق الفرنسي البروفيسور سلفستردي ساسي (١٨٣٨م) الدراسات
الإسلامية والأدب العربي إلى الجامعات الفرنسية، ودعا إلى الإسلام وقاوم تيار
الإلحاد، وتصدى للعداء الفكري ضد هذا الدين.
وأقنع رايموندو لوليو (١٣١٤) ملك أراغون بإنشاء مدرسة له في ميرامار لتدريس
العربية، وأشرف بنفسه عليها فتخرج منها بالعربية أكثر من ١٣ راهبا، ولكنها نجحت
بصعوبة مدة خمس وستين سنة.
ودعا المستشرق الهولندي (١٧١٨م) إلى الرجوع إلى المصادر العربية لفهم
الإسلام حيث قال: "ينبغي على المرء أن يتعلم اللغة العربية وأن يسمع محمدا
نفسه وهو يتحدث في لغته، كما ينبغي على المرء أن يقتني الكتب العربية، وأن يرى
بعينيه هو وليس بعيون الآخرين".[1]
-
جمع المخطوطات العربية
قام ألوارد بوضع فهرس للمخطوطات العربية في مكتبة برلين في عشرة مجلدات بلغ
فيه الغاية فنا ودقة وشمولا لنحو عشرة آلاف مخطوط. وقد قام المستشرقون في الجامعات
والمكتبات الأوروبية كافة بفهرسة المخطوطات العربية فهرسة دقيقة. وتقدَّر
المخطوطات العربية الإسلامية في مكتبات أوروبا بعشرات الآلاف، بل قد يصل عددها إلى
مئات الآلاف.
جمع المستشرق دي ساسي كثيرا من المخطوطات العربية الإسلامية في باريس وعيّن
أول مدرّس للغة العربية في مدرسة اللغات الشرقية في باريس ثم أصبح مديرا لها. وكان
هو يعتمد في دراساته على المختارات من النصوص الأدبية الدينية.
-
التحقيق والنشر
خلّف المستشرقون ورائهم الكثير من كتب التراث محققا ومطبوعا. ومن بين هذه
الكتب "الكتاب" لسيبويه و"الاشتقاق" لابن دريد و"معجم
الأدباء" للسمعاني و"البديع" لابن المعتز و"حي بن يقظان"
لابن طفيل و"الكامل" للمبرد و"الجمهرة" لابن دريد
و"الفهرست" لابن النديم و"كشف الظنون" لحاجي خليفة
و"الأغاني" للأصفهاني و"الطبقات" لابن سعد و"عيون
الأخبار" لابن قتيبة وعدد هائل من دواوين الشعر العربي في العصور المختلفة.
-
الترجمة
ترجم المستشرقون مئات الكتب في اللغة العربية وآدابها وتاريخها والدراسات
الإسلامية إلى اللغات الأوروبية وبالعكس فمثلا نقلوا الدواوين الشعرية – ومنها
المعلقات – وتاريخ أبي الفداء وتاريخ الطبري.
-
التأليف
·
في الدراسات الإسلامية
ألف المستشرق غولدزيهر "تاريخ مذاهب التفسير الإسلامي" وزويمر
مجلة "العالم الإسلامي" و"الإسلام تحد لعقيدة" وجورج سيل
"ترجمة معاني القرآن" وألفريد غيوم "الإسلام" وجوزيف شاخت
"أصول الفقه الإسلامي" و"متصوفوا الإسلام".
وبادر المستشرق الهولندي فنسنك (١٩٣٩م) إلى مشروع وضع "المعجم
المفهرس" لألفاظ الحديث النبوي في ثمانية أجزاء.
وألف جورجي زيدان "تاريخ التمدن الإسلامي" و"تاريخ مصر
الحديث". وانتقد الشيخ شبلي النعماني "تاريخ التمدن الإسلامي"
بكتابه "انتقاد كتاب تاريخ التمدن الإسلامي".
·
في الدراسات العربية
إن المستشرق الفرنسي سلفستر دي ساسي (١٨٣٨م) تعده بعض المؤلفات من المنصفين
بسبب اهتمامه بالأدب والنحو مبتعدا عن الخوض في الدراسات الإسلامية، وإليه يرجع
الفضل في جعل باريس مركزا للدراسات العربية، وكان ممن اتصل به رفاعة
الطهطاوي".
ألف المستشرق جوزيف شاخت "التاريخ الأدبي للعرب" والمستشرق
الفرنسي جوستاف لوبون كتابا في الحضارة، وسماه "حضارة العرب" لا
"حضار الإسلام" ولا "الحضارة الإسلامية". لعله زعم أن الإسلام
دين العرب، وحضارته حضارة العرب، بل وشريعته مختارة من نظم العرب في الجاهلية.
وبدأ ليون الأفريقي وهو الحسن بن محمد الوزارن الفاسي يكتب كتابا في وصف
أفريقيا بالعربية إلا أنه أتمه بالإيطالية.
وألف كارل بروكلمان (١٩٥٦م) "تاريخ الأدب
العربي" الذي شمل كل ما كتب باللغة العربية المخطوط منها والمطبوع.
وألف جبران خليل جبران "الموسيقى" و"عرائس المروج"
و"الأرواح المتمردة" و"الأجنحة المتكسرة" و"دمعة
وابتسامة" و"المواكب والعواصف".
وألف جورجي زيدان "تاريخ مصر الحديث" و"تاريخ آداب اللغة
العربية" و"عشرون رواية" تستعرض التاريخ الإسلامي في مختلف أدواره.
وقال الشيخ أحمد عمر الإسكندري: "أخطأ (جورجي زيدان) في الحكم الفني
والاستنتاج والنقل وتحري الدقة والاختصار... وإن رواياته تشوه سيرة أبطال الإسلام".[2]
ومن أهم المجلات التي أنشأها المستشرقون الفرنسيون "المجلة
الآسيوية" و"العالم الإسلامي"، والمستشرقون البريطانيون "مجلة
الجمعية الآسيوية الملكية"، والمستشرقون الأمريكيون "الجمعية الشرقية
الأمريكية" و"جمعية الدراسات الشرقية" و"مجلة شؤون الشرق
الأوسط" و"العالم الإسلامي".
بعض المؤلفات الخطيرة التي لها مكانة عند الناس:
-
"دائرة المعارف الإسلامية"
-
"موجز دائرة المعارف الإسلامية"
-
"دائرة معارف الدين والأخلاق"
-
"دائرة معارف العلوم الاجتماعية"
-
"دراسة في التاريخ" لأرنولد توينبي
-
"حياة محمد" لوليام موير
-
"تاريخ العرب" لفيليب حتي
·
في الدراسات اللغوية
خاض المستشرقون في المسائل اللغوية فأتوا بالأعاجيب. ادعى رودي باريت بأن
كلمة "أمة" ليست عربية الأصل بل هي مستعارة إما من العبرية وإما من
الآرامية.[3]
ولم يذكر دليلا، ولعله لم يعلم أن هاتين اللغتين ساميتان. ويمكن أن تكون
مستعملة في كلها.
وادّعى بوهل أن كلمة "بور" من الكلمات اليهودية.[4]
وذلك بمجرد دعواه. وهو غير مقبول حيث أن مختلف صيغها أمثال
"يبور" و"تبور" و"بوار" مستعملة في القرآن، وفي
الشعر العربي يقول امرؤالقيس:
حتى أبير مالكا وكاهلا القاتلين
الملك الحلاحلا
وزعم بوهل أيضا أن "ختم" ومشتقاته مأخوذة من الكلمة الآرامية
"خاتم".
ليس عنده دليل لذلك. وإن مشتقاتها موجودة في الأدب العربي القديم والحديث
كليهما، يقول امرؤالقيس:
ترى أثر القرح في جلده كنقش
الخواتم في الجرجس
ويدعي شاخت أن كلمة "زكاة" مأخوذة من الكلمة الآرامية
"زاكوت" قائلا إن الرسول قد عرفها عن اليهود بمعناها الأوسع.[5]
مع أن هذه الكلمة قد استعملت في الوحي المكي مرارا قبل لقاء النبي صلى الله
عليه وسلم اليهود بالمدينة.
ويمكن أن نقول إن اللغات العربية والآرامية والأكادية والعبرية والسريانية
والحبشية فروع من أصل واحد قديم، هو اللسان السامي. وما دام الأمر كذلك فمن
الطبيعي جدا أن توجد مشابهات بين كثير من الألفاظ القديمة بخاصة قبل أن تتطور كل
من هذه اللغات بعيدا عن أخواتها.
-
أدب المهجر
ساهم المستشرقون في الأدب العربي المهجري مساهمة امتازت بـ:
·
الإباحية والتشكيك والتحلل في العقائد والنبوات كما ظهر ذلك في كتابات
جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني. يقول الدكتور العفاني: "أسلوب
جبران إباحي.. إقليمي.. فوضوي.. ملحد.. متطرف.. وفي كتابه "النبي" يصور
نفسه على أنه المصطفى المختار الحبيب".[6]
·
الإرساليات التبشيرية مثل المدارس المهجرية الشمالية.
·
تغيير قيم الأدب العربي بإدخال أسلوب جديد مستغرب يصادم مفاهيم البلاغة
ويعلي عليها صيغة التوراة والمجاز الغربي.
·
الإسراف في الجانب الرومانسي المليء بالظلال والحالم، والمفهوم الرمزي
المغرق في العاطفة والخيال المضاد لطابع النفس العربية المسلمة، وأصدق مثال لذلك
أسلوب جبران الذي قد بهر كثيرا من الشباب وسرى سريان النار في الهشيم ولكن سرعان
ما انطفأ وفقد أثره، وذلك لمصادمته للنفس العربية الإسلامية ومعارضته لمنهجها،
وتضاربه مع مزاجها النفسي الاجتماعي. ولكنه كان إقليميا مغرقا في الإقليمية،
إباحيا مسرفا في الإباحية.
يقول الأستاذ أنور الجندي: "لقد حاول جبران كما حاولت مدرسة المهجريين
إحياء الفينيقية الوثنية، ومهاجمة قيم العروبة والإسلام، فأعادت وأحيت كل ما رددته
فلسفات زرادشت والمجوسية ووثنية اليونان والرومان، هربا وراء فرويد ونيتشه
وغيرهما، وكان هذا كله مصاغا في إطار التوراة وأسلوبها".[7]
ويقول الدكتور نذير العظمة: "جبران يحتفل بالعقائد الوثنية".[8]
ومغز الكلام أن المستشرقين استمروا في عقد
المؤتمرات والندوات واللقاءات والجمعيات كما استمروا في التأليف حتى بلغ عدد ما
ألفوه عن الشرق في قرن ونصف – منذ أوائل القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين
– ستين ألف كتاب. ألفوا في الدراسات الإسلامية وتاريخها وتاريخ اللغة العربية
وآدابها وقواعدها وفقهها. ولم يتركوا مجالا من مجالات العلوم العربية والإسلامية
إلا وألفوا فيه.
المصادر والمراجع:
-
إبراهيم عوض، الدكتور: دائرة المعارف
الإسلامية الاستشراقية أضاليل وأباطيل، طبعة أولى، عام ١٤١٩هـ المصادف ١٩٩٨م،
مكتبة البلد الأمين، ١١ أ درب الأتراك خلف الجامع الأزهر بمصر.
-
سعد المرصفي، الدكتور: المستشرقون
والسنة، دفاع عن الحديث النبوي (١)، مكتبة المنار بالكويت ومؤسسة الريان ببيروت
بلبنان.
-
سليمان بن صالح الخراشي: نظرات شرعية في فكر منحرف، الجزء الأول، بيروت:
روافد للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة أولى، عام١٤٢٩هـ الموافق ٢٠٠٨م.
-
سليمان بن صالح الخراشي: نظرات شرعية
في فكر منحرف (المجموعة الثانية).
-
سيد بن حسين العفاني، الدكتور: أعلام
وأقزام في ميزان الإسلام، الجزء الأول، طبعة أولى، عام ١٤٢٤هـ المصادف ٢٠٠٤م، دار
ماجد عسيري للنشر والتوزيع بالسعودية.
-
عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني: أجنحة
المكر الثلاثة، طبعة ثامنة، عام ١٤٢٠هـ المصادف ٢٠٠٠م، دار القلم بدمشق.
-
علي بن
إبراهيم النملة: مصادر المعلومات عن الاستشراق والمستشرقين استقراء للمواقف، مكتبة
الملك فهد الوطنية بالرياض، عام ١٤١٤هـ المصادف ١٩٩٣م.
-
محمد نبيل النشواتي، الدكتور: الإسلام
يتصدى للغرب الملحد، طبعة أولى، عام ١٤٣١هـ المصادف ٢٠١٠م، دار القلم بدمشق.
-
مصطفى السباعي، الدكتور: الاستشراق
والمستشرقون (ما لهم وما عليهم)، دار الوراق للنشر والتوزيع، المكتب الإسلامي.
No comments:
Post a Comment